مقابر وادي الملوك

مقابر وادي الملوك


نذكر دائماً أن المصريين القدماء كانوا ينظرون إلى الموت كأنه غروب لحياة الناس، وبالتالى كانوا يمارسون حياتهم العادية فى الضفة الشرقية، ويدفنون موتاهم فى الضفة الغربية. وقد بدأوا فى دفن الموتى فى "سقارة" و"دهشور" و"أهرام الجيزة". لكن بمرور الوقت اكتشف الملوك وكبار القوم أن قبورهم تُنهب وتُسرق. وارجع بعض مستشاريهم هذا الأمر إلى أن المصاطب والأهرامات تدل بشكل واضح على مكان المقبرة، وبالتالى تُصبح هدفاً سهلاً للسرقة. ولذلك عندما جاء عصر الدولة الحديثة اكتشف المهندسون أن جبال الضفة الغربية وتعاريجها تصلح لتصميم مقابر الملوك بعد حفر حجراتها ودهاليزها فى باطن وأسفل الجبل. لكن هل وضعوا بذلك نهاية لعمليات النهب والسرقة، بالطبع لا .. ولكن تُعد مقبرة الملك "توت عنخ آمون" استثناء لذلك، فقد بقيت محتوياتها سليمة ولم تمتد إليها أيدى اللصوص.

وادى الملوك :

توجد أكثر من 60 مقبرة فى وادى الملوك، تتفاوت فى الحجم من مقبرة صغيرة محفورة على هيئة حجرة واحدة وغير مكتملة، إلى مقبرة كاملة وواسعة بها أكثر من 110 حجرة وممر! ومعظم هذه المقابر وُجدت محتوياتها مسلوبة عند إعادة اكتشافها، ولكن القليل منها مثل مقبرة "توت عنخ آمون" (رقم 62 بوادى الملوك) ومقبرة "يويا وثويا"Yuya and Thuya (رقم 46) عُثر بها على آلاف المصنوعات اليدوية الثمينة. وبعض هذه المقابر كانت معروفة ومتاحة للزيارة فى العصور القديمة، كما تشهد بذلك الرسومات اليونانية واللاتينية بها. وبعضها اُكتشف فقط فى الـ 200 سنة الأخيرة.

وفى الحقيقة هناك واديان للملوك، واحد شرقى وواحد غربى. يحتوى الوادى الشرقى على أغلب المقابر، وهو الأكثر زيارة من قبل السياح الذين يفدون إلى المنطقة. لكن الوادى الغربى يغطى مساحة أكبر وربما يحتاج إلى المزيد من التنقيب والاستكشاف. وتوجد بالوادى الغربى مقبرتان ملكيتان، واحدة خاصة بـ"أمنحتب الثالث" (المقبرة رقم 22) والأخرى خاصة بـ"أى" Ay (رقم 23).




وادى الملوك.

مومياء عُثر عليها فى مقبرة "يويا وثويا"، و"يويا وثويا" هما والدى الملكة "تى" زوجة "أمنحتب الثالث".

الملك "أمنحوتب الثالث" صاحب المقبرة رقم 22 بوادى الملوك.

مقبرة الملك توت عنخ آمون

مدخل مقبرة "توت عنخ آمون" بوادى الملوك.

خريطة لمقبرة "توت عنخ آمون".


هى المقبرة رقم 62 وهى خاصة بالملك الشهير "توت عنخ آمون" من الأسرة 18، وتعد أشهر وأغنى مقبرة فى العالم، تجمَّع فيها قدر كبير من النفائس والآثار الرائعة التى أذهلت العالم. ولقد ساعدت بعض الظروف على بقاء هذه المقبرة سليمة من عبث اللصوص، نظراً لبناء مقبرة أخرى بجوارها غطت على مدخلها فاختفت عن الأنظار.


لقطات من حجرة الدفن لمقبرة "توت عنخ آمون" حيث المخدع الذى به تابوت الملك.

لقطة لـ"هوارد كارتر" خرجاً من مقبرة "توت عنخ آمون" التى اكتشفها سنة 1922.

وقد تم الكشف عن هذه المقبرة فى 4 نوفمبر سنة 1922 بمعرفة الإنجليزى اللورد "كارنارفون" Lord Carnarvon ومساعده البريطانى "هوارد كارتر" Howard Carter، حيث عُثر على الأثاث الجنائزى كاملاً (أكثر من 5000 قطعة). وقد حُفرت المقبرة فى منخفض وادى "رمسيس السادس" الذى بنى مقبرته بجوار مقبرة "توت عنخ آمون"، فكان ذلك من العوامل التى ساعدت على حفظ مقبرة "توت عنخ آمون" سليمة بعيداً عن أعين اللصوص.


مقبرة "توت عنخ آمون" عند اكتشافها.


فقد حدث أنه لما هُدمت بعض الأبنية ظهرت من تحتها حفرة قليلة العمق تؤدى إلى سلم (درج) محفور فى الصخر إلى عمق 13 قدماً. وكان فى نهايته باب مُحكم الإغلاق هو مدخل المقبرة الآن، وهو يوصل بدوره إلى ممر منحدر ينتهى بباب آخر كان مغلقاً كذلك. فلما فُتِح الباب الثانى أيام الكشف ظهرت حجرة، وقبل أن نصف محتوياتها نذكر أن الملك "توت عنخ آمون" كان سعيد الحظ لأن آثاره بقيت على الرغم من أنه كان صغير السن بين الفراعنة، وتولى الحكم بعد وفاة أخويه "إخناتون" و"سمننخ كارع"، ولم يستمر عهده غير ثمان أو تسع سنوات. وإذا كان هذا الثراء، وهذا الفن فى مقبرة ملك مغمور، فلنا أن نتصور ما كانت عليه مقابر الملوك العظام أمثال "خوفو"، و"تحتمس" و"أمنحتب" وغيرهم قبل أن تسرق وتُنهب. ولكن ما نعرفه الآن أن مقبرة الملك "توت عنخ آمون" هى أعظم وأثرى مقبرة فى العالم الآن، وما بها من كنوز وفن خير شاهد على ذلك.


وعند فتح الباب الثانى للمقبرة أيام الكشف ظهرت حجرة متسعة تكدس فيها الأثاث فوق بعض. وقد طُلى أكثره بالذهب البراق، ومن بينه صناديق جميلة مُطعمة بالعاج والأبنوس، وأخرى عليها منظر للصيد والحرب، وبعض الكراسى، والأسرة، وعربات ملكية، وأوانى مرمرية، وتماثيل من مختلف الأشكال والألوان، وتوجد معظم هذه الأشياء الآن فى المتحف المصرى بالقاهرة.

التمثالان اللذان يمثلان الملك "توت عنخ آمون".

وكان عند نهاية تلك الحجرة على يمين الداخل تمثالان من الخشب المدهون كأنهما يحرسان محتويات الحجرة الثانية. وقد نقل هذان التمثالان وهما للملك "توت عنخ آمون" أيضاً إلى المتحف المصرى بالقاهرة.

إن الحجرة الثانية هى حجرة الدفن، والتى وُجِد بها أربع مقاصير بعضها داخل بعض من الخشب المغطى بصفائح الذهب. وكانت تحيط بالتابوت الحجرى الذى مازال فى مكانه للآن. وقد كان بداخل هذا التابوت ثلاثة توابيت على هيئة آدمية أصغرها من الذهب الخالص يزن حوالى 110 كيلوجرام ويوجد حالياً بالمتحف المصرى.

القناع الذهبى للملك "توت عنخ آمون" (المتحف المصرى بالقاهرة).

ولا تزال مومياء الملك محفوظة فى مكانها مع أحد التوابيت الخشبية المغطاة برقائق الذهب. وتوجد رسوم جميلة على حوائط الغرفة منها رسم "لتوت عنخ آمون" ويظهر خلفه على العرش "آى" Ay الذى أصبح ملكاً بعد "توت عنخ آمون"، وهو يرتدى ملابس الكهنة ويقوم بالطقوس الدينية الخاصة بعملية فتح الفم لمومياء الملك. وهناك صورة "لتوت عنخ آمون" وهو يقف فى وسط الجدار بين يدى "نوت" (إلهة السماء) التى تصنع الصحة والحياة. أما على الجدار الأيمن فهناك منظر المقصورة التى كانت تحوى جثمان الملك "توت عنخ آمون" محمولة على زحافة يجرها النبلاء ورجال الحاشية، وعلى الجدار الأيسر توجد بعض النصوص الخاصة بكتاب ما فى "العالم السفلى"، وهناك عدد من القردة المقدسة يتوسطها الجعران.

واحدة من القطع الذهبية العديدة التى عُثر عليها فى مقبرة "توت عنخ آمون"، والتى تمتاز بدقة وروعة التصميم والتنفيذ.

وتوجد غرفة جانبية صغيرة تتصل بغرفة الدفن، كما توجد حجرة مماثلة تتصل بالبهو الخارجى. وكان بهما بعض الأثاث الجنائزى، والآنية الخاصة بحفظ الأمعاء، وغيرها من محتويات المقبرة الهامة.

 مقبرة الملك سيتى الأول رقم  17
مدخل مقبرة "سيتى الأول" بوادى الملوك (على اليسار).


لقطة من داخل مقبرة الملك "سيتى الأول".


اكتشفها "بلزونى" Belzoni, Giovanni Battista عام 1815. والملك "سيتى الأول" هو ثانى ملوك الأسرة التاسعة عشرة (حوالى 1300 ق.م) ومقبرته خير نموذج للمقابر الملكية فى عهد الدولة الحديثة. وهى محفورة فى الصخر، ويبلغ عمقها حوالى 30 متراً، ونقوشها على جانب كبير من الجمال، ومنها نصوص ورسوم نُقلت عن الكتابين المسميين "ما فى العالم السفلى والبوابات". وتخلل هذه النقوش فى بعض أجزائها رسوم بارزة كبيرة تُمثل الملك وهو يتعبد أمام الآلهة التى تستقبله وترحب به ..

صورة "لأوزوريس" من مقبرة "سيتى الأول" (المقبرة 17 بوادى الملوك).

وتُعد هذه المقبرة المنحوتة فى صخر جبل وادى الملوك من أهم المقابر، لأنها تضم أكبر عدد من الكتب الجنائزية والزخارف. ومن أبرز ما فيها السقف الذى يبدو وكأنه يغطى العرش ويبين ما حظى به الإله "رع" من علاقة متميزة. وبعد بضع مئات من الأمتار ينتهى الدهليز إلى قاعة ذات أعمدة جميلة احتفظت جميع النقوش فيها بألوانها الزاهية. وقد أعد فى وسط هذه القاعة مكان منخفض لوضع تابوت الملك المصنوع من المرمر، وللأسف نُقل هذا التابوت إلى أحد متاحف لندن.

مشهد لمجموعات النجوم والأبراج Constellations من مقبرة "سيتى الأول".

ويغطى هذا الجزء من القاعة قُبة، تبدو كالسماء وهى بلون أزرق قاتم معتم كالليل، وعليها أبراج الشمس المعروفة بشكل الحيوانات التى ترمز إلى تلك الأبراج. وهناك قاعة مُلحقة صُنعت حولها مقاعد من حجر. وكان الغرض منها تخزين الأثاث. وجدرانها مُغطاة بنقوش جميلة تُمثل الشمس فى رحلتها إلى العالم الآخر. وتوجد أيضاً حجرتان جانبيتان نُقشت جدرانها بنقوش دينية مازالت ألوان بعضها واضحة. أما عن يمين البهو فتوجد حجرة جانبية أخرى نُقشت على جدرانها قصة هلاك البشرية، وهى تقص كيف غضب الإله "رع" على شعبه حينما ضحكوا عليه عندما أصبح عجوزاً، وأصبحت عظامه كالفضة ولحمه كالذهب، وشعره كاللازورد (أزرق). لذلك جمع مجلساً من الآلهة ليستشيرهم فى كيفية الانتقام من هذا الشعب الغادر. فأشار عليه جده "نون" (البحر العظيم) أن يرسل عبدته "حتحور" فى صورة اللبؤة "سخمت" لتفتك بهم.


منظر للإلهة "حتحور" على شكل بقرة داخل مقبرة"سيتى الأول"؛ وعلى اليسار رسم حديث رسمه "روبرت هاى" لنفس مشهد البقرة "حتحور" ولونه بألوان مائية ساطعة فى محاولة منه لتخيل الألوان الأصلية للوحة التى بهتت مع الزمن.

وفعلاً أخذت هذه الإلهة تفتك بالناس حتى سالت الدماء أنهاراً، فأشفق الإله "رع" على رعاياه وأمر عبدته أن تكف عن قتلهم، وتحايل عليها حتى كفت أذاها عنهم، وبذلك نجا العالم من الهلاك. لكن الإله "رع" سئم الحكم على الأرض فارتفع إلى السماء على ظهر "نوت"، ولكنها خافت فأسرع إليها الإله "شو" رب الهواء، ورفعها فوق كفيه، وهذا يمثل المنظر الموجود بالمقبرة.

مقبرة امنحوتب الثانى رقم 35
خريطة لمقبرة الملك "أمنحتب الثانى" رقم 35 بوادى الملوك.


إنه الملك "أمنحوتب الثانى" (وتُكتب أيضاً "أمنحتب الثانى") سابع ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وابن الملك "تحتمس الثالث" الجد العظيم للملك "توت عنخ آمون". والملك "امنحوتب الثانى" له عدة منشآت بـ"الكرنك" و"أرمنت" وبلاد أخرى فى الصعيد. ولقد أمر بإنشاء معبد جنائزى ولكن للأسف لا يوجد أى شئ عنه. وزخارف هذه المقبرة قليلة جداً، وبها بعض المشاهد الإلهية ونُسخة كاملة من أحد الكتب الهامة فى عقيدة الفراعنة - "كتاب أمدوات" Book of Amduat. وقد اكتشف هذه المقبرة أحد الأجانب واسمه "فكتور لوريه" عام 1898.

لقطة للتابوت الحجرى للملك "أمنحوتب الثانى" فى مقبرته بوادى الملوك.

وهلى تتألف من ممر شديد الانحدار ينتهى ببئر كاذبة لتضليل اللصوص ولحماية المقبرة من الأمطار الغزيرة. وبعد هذه البئر توجد على اليمين غرفة جانبية. كما توجد قاعة أخرى خالية من النقوش فى مواجهة المدخل. ويقع فى الناحية اليسرى منها ممر يؤدى إلى قاعة الدفن التى تحوى التابوت، وقد رفع سقفها على ستة أعمدة فزُينت جوانبها بصورة الملك بين يدى آلهة الموتى: "أوزير" و"حتحور" و"أنوبيس". ويظهر سقفها شبيهاً بالسماء فى زرقة لونه، وانتشار النجوم اللامعة فيه. أما الجدران فقد غُطيت بصور متقنة رُسمت بالألوان على أرضية صفراء. حتى أنه يخيل للناظر أنها مخطوطات من البردى محلاة بالصور ومعلقة على الجدران. ومعظم هذه النقوش عبارة عن مناظر ونصوص كتاب "ما فى العالم السفلى".

صورة تمثل "أمنحوتب الثانى" ماثلاً أمام الإله "أوزوريس".

وتتصل بهذه القاعدة عدة حجرات جانبية أعدت لوضع الأثاث الجنائزى ثم استخدمت فيما بعد مخبأ لحفظ مومياوات بعض الفراعنة التى نُقلت إلى هذه المقبرة أيام الأسرة الحادية والعشرين بإشراف كبير الكهنة "بى نجم"، وذلك حماية لها من النَّهابين والسَّلابين، وظلت محفوظة فى هذا المكان إلى أن تم كشفها مع المقبرة. ومن هؤلاء الفراعنة "أمنحتب الثالث" وزوجته الملكة "تى" Tiy، و"مرنبتاح"، و"تحتمس الرابع"، و"سيتى الثانى"، و"ست نخت"، و"رمسيس الثالث" و"رمسيس الرابع والخامس والسادس"، بالإضافة إلى صاحب المقبرة الذى وُجد داخل تابوته وحول عنقه إكليل من الزهور!

مقبرة الملك حورمحب رقم 57
خريطة لمقبرة "حورمحب" رقم 57 بوادى الملوك.


الملك "حورمحب" (1320 ق.م) هو آخر ملوك الأسرة 18. وبالرغم من أن تصميم مقبرته بوادى الملوك اشتمل على حجرة دفن كاذبة لتضليل اللصوص، فإن ذلك لم ينجح فى حماية محتويات المقبرة من السرقة، ونجح اللصوص فى الوصول إلى حجرة الدفن الحقيقية ونهبوا كل شئ ولم يتركوا سوى تابوت "حورمحب" المصنوع من الجرانيت الأحمر. وجدير بالذكر أن الرسوم الحائطية لحجرة الدفن لم تستكمل ويستطيع الزائر لتلك الحجرة أن يرى المراحل المختلفة لتزيين ونقش وتلوين الحوائط، إذ يبدو أن الملك "حورمحب" مات ودُفن قبل إتمام ("تشطيب") رسوم مقبرته. وللملك "حورمحب" مقبرة أخرى بسقارة.

مقبرة حورمحب
مقبرة حورمحب
مقبرة حورمحب
ثلاث لقطات من داخل مقبرة الملك "حورمحب" رقم 57 بوادى الملوك.
مقبرة الملك رمسيس الرابع رقم 2 ومقبرة الملك رمسيس السادس رقم 9


مدخل مقبرة الملك "رمسيس الرابع" رقم 2 بوادى الملوك.

لقطة للسائحين داخل مقبرة "رمسيس الرابع".

تمتاز مقبرة الملك "رمسيس الرابع" بنقوشها الملونة البديعة.

لوحة حائطية بديعة داخل مقبرة "رمسيس الرابع" بوادى الملوك.

لقطة لمدخل مقبرة "توت عنخ آمون" رقم 62 (فى الأمام بالعرض) ومدخل مقبرة "رمسيس السادس" رقم 9 (فى الخلف على اليسار).

لقطة من داخل مقبرة الملك "رمسيس السادس" بوادى الملوك.

أحبطت عمليات التنقيب والحفر المبكر فى موقع مقبرة الملك "رمسيس السادس" (رقم 9) بوادى الملوك اكتشاف مقبرة الملك "توت عنخ آمون" المجاورة التى توجد أسفل مقبرة "رمسيس السادس"، كما أخفت مقبرة "رمسيس السادس" مقبرة "توت عنخ آمون" المجاورة بعيداً عن أعين اللصوص، حتى اكتشفها "كارتر" سنة 1922.

مقبرة الملك "رمسيس السادس" بوادى الملوك.

بُنيت مقبرة "رمسيس السادس" أصلاً كمقبرة للملك "رمسيس الخامس"، لكنها اُستغلت من قبل وريثه الذى خصص الموقع لنفسه، موفراً بذلك الوقت والمال اللازمين لبناء مقبرة جديدة. وتمتد مقبرة "رمسيس السادس" (رقم 9) مسافة 83 متر فى الجبل، وتزين ممرها مشاهد من "كتاب الكهوف" والنص الكامل لـ"كتاب البوابات".

لقطة لجزء من سقف مقبرة الملك "رمسيس السادس" بوادى الملوك. أشكال الحيوانات فى أعلى الصورة ترمز إلى أبراج الشمس المعروفة، والصورة تبين رحلة الشمس للعالم الآخر.

وفى نهاية الممر، فى حجرة الدفن ذات الأعمدة، يقابلنا التابوت الحجرى المحطم للملك "رمسيس السادس". ولحجرة الدفن سقف جميل وغير عادى إذ تزينه رسوم من "كتاب النهار والليل"، ورسوم للإلهة "نوت" Nut إلهة السماء.

وادى الملوك - الجزء الثانى



مقبرة الملك رمسيس السابع من الأسرة 20 (1136 - 1128 ق.م) رقم 1
مدخل مقبرة الملك "رمسيس السابع" رقم 1 بوادى الملوك.

لقطة من داخل حجرة الدفن لمقبرة "رمسيس السابع" رقم 1 بوادى الملوك.
مقبرة الملك مرنبتاح رقم 8
مدخل مقبرة "مرنبتاح" رقم 8 بوادى الملوك.

الباب الخارجى للمقبرة رقم 8 (مقبرة الملك "مرنبتاح") بوادى الملوك.

الملك "مرنبتاح" من الأسرة 19 هو ابن الملك المشهور "رمسيس الثانى". ويعتقد بعض العلماء أن "مرنبتاح" هو الفرعون الذى ذُكر فى سفر الخروج (يرى د. لبيب حبشى الأثرى المصرى العالمى أن فرعون سفر الخروج هو "تحتمس الثالث" وخليفته "أمينوفيس الثانى"). تُزين مدخل مقبرة "مرنبتاح" رسومات لـ"إيزيس" (زوجة "أوزوريس") و"نفتيس" Nephthys (أخت "إيزيس"). كما نُقِشَت نصوص من "كتاب البوابات" The Book of Gates على جدران الممر الذى ينحدر بشدة مسافة 80 متر داخل المقبرة حتى يصل إلى حجرة الدفن.

نقوش بالهيروغليفية من داخل مقبرة "مرنبتاح" رقم 8 بوادى الملوك.

لوحة حائطية داخل مقبرة الملك "مرنبتاح" رقم 8 بوادى الملوك.

مومياء الملك "مرنبتاح" عُثر عليها سنة 1881 م بـ"الدير البحرى".
مقبرة الملك رمسيس الأول رقم 16
مدخل المقبرة رقم 16 بوادى الملوك الخاصة بالملك "رمسيس الأول" من الأسرة 19.

لوحة حائطية من داخل مقبرة "رمسيس الأول" رقم 16 بوادى الملوك، وهى لمشهد من القسم الثانى من "كتاب البوابات" وتُصور مجموعة من الآلهة تحمل عموداً طرفيه على شكل رأس ثور ويقف فوقه زوج من الثيران.

لوحة حائطية تُزين حجرة الدفن داخل مقبرة "رمسيس الأول"، وتُصور "أوزوريس" (فى الوسط) مع الإله "خنوم" الذى له رأس كبش والإلهة "نيسيرت" Nesert التى تظهر على شكل حية.

سنتان فقط هما فترة حكم صاحب المقبرة رقم 16 الملك "رمسيس الأول" مؤسس الأسرة 19، ولذلك فإن مقبرته بسيطة ولها أقصر ممر دخول بين ممرات مقابر وادى الملوك، ولها حجرة دفن واحدة فقط شبه مربعة تحتوى على تابوت الملك المصنوع من الجرانيت القرنفلى اللون وهو مفتوح. وحجرة الدفن هذه هى الجزء الوحيد من المقبرة المُزين، إذ تحليها رسومات تُصور الفرعون فى حضرة آلهة مثل "أوزوريس" و"بتاح" و"أنوبيس" و"معات" Maat وذلك على خلفية زرقاء أرجوانية.

لقطة من داخل حجرة الدفن فى المقبرة رقم 16 بوادى الملوك للطرف الشرقى (القدم) لتابوت الملك "رمسيس الأول" المصنوع من الجرانيت.
مقبرة الملك رمسيس الثالث رقم 11
مومياء الملك "رمسيس الثالث".

الممر الهابط لمقبرة الملك "رمسيس الثالث" (رقم 11) فى وادى الملوك.

تُعد مقبرة "رمسيس الثالث" (رقم 11) من أوسع وأكبر المقابر بوادى الملوك، وتتكون من أكثر من ممر والعديد من الحجرات المُزينة بلوحات رائعة مازالت ألوانها زاهية، ومنها لوحة لأثنين من عازفى الهارب يعزفون الموسيقى للآلهة.

رسم لعازف على آلة الهارب منقول عن أحد اللوحات الحائطية بمقبرة "رمسيس الثالث".

مقبرة الملك تحتمس الثالث رقم 34

خريطة لمقبرة "تحتمس الثالث" رقم 34 بوادى الملوك.

كان الملك "تحتمس الثالث" من أوائل الملوك الذين بنوا مقبرة لأنفسهم بوادى الملوك، وقد اختار لحفر مقبرته مكاناً مختفياً عن الأنظار ومن الصعب الوصول إليه. كما احتوت مقبرته على العديد من الممرات لتضليل اللصوص. ولكن بالرغم من كل هذه الاحتياطات نجح اللصوص فى الوصول إلى حجرة الدفن وسرقة محتوياتها. وقبل الوصول إلى حجرة الدفن تقابل الزائر حجرة تستند على عمودين، وقد زُينت حوائطهما بقائمة لأكثر من 700 من الآلهة وأنصاف الآلهة. ثم نأتى بعد ذلك إلى حجرة الدفن وهى بيضوية الشكل مثل الخرطوشة، ويستند سقفها أيضاً على عمودين يوجد بينهما تابوت الملك الفارغ المصنوع من الحجر الرملى الأحمر. وقد عُثر على مومياء الملك بـ"الدير البحرى".

مومياوات لقردة عُثر عليها بالقرب من مقبرة "تحتمس الثالث".
مقبرة الملكة توسرت وست ناخت Queen Tawsert/Sethnakht رقم 14
مشهد من مقبرة "ست ناخت" رقم 14 بوادى الملوك للإلهين "حورس" (على اليسار برأس صقر) و"أنوبيس" (على اليمين برأس ابن آوى) وهما يقدمان آيات الاحترام والتقدير لـ"أوزوريس" الذى رُسم مرة متجهاً بوجهه ناحية اليمين ومرة أخرى متجهاً ناحية اليسار. ولأن "أوزوريس" كان إله الموتى والعالم الآخر عند قدماء المصريين، فقد صوروه على شكل مومياء.

كانت هذه المقبرة فى الأصل خاصة بالملكة "توسرت" وهى زوجة الملك "سيتى الثانى"، ثم أخذ "ست ناخت" (حوالى 1190 - 1187 ق.م) المقبرة لنفسه ووضع بها تابوته المصنوع من الجرانيت. وقد زُينت هذه المقبرة بمشاهد من "كتاب الموتى" و"كتاب البوابات" و"طقس فتح الفم".

وادى الملكات


إن وادى الملكات ترقد فى أرجائه ملكات الأسر 18، 19، 20 وكذلك بعض مقابر الأمراء والأميرات من هذه الفترة أيضاً. ويبلغ عدد هذه المقابر حوالى أكثر من 70 مقبرة معظمها أصابها التلف. وهذا الوادى يقع فى الجنوب الغربى من جبانة "طيبة". ومن أهم المقابر وأفضلها من الناحية الأثرية مقبرة الملكة "نفرتارى".
مقبرة الملكة نفرتارى رقم 66.

وادى الملكات - رسوم حائطية فى مقبرة "نفرتارى" (اُكتشفت سنة 1904).


هى الملكة "نفرتارى" زوجة الملك المشهور "رمسيس الثانى"، ويبدو أنها كانت أحب الزوجات إليه، وصورتها منحوتة ومصورة على الجدران. والملك "رمسيس الثانى" هو ثالث ملوك الأسرة التاسعة عشرة وطال حكمه مدة 67 عاماً. وهو الذى أنشأ عاصمة جديدة سمَّاها "برعمسو" أى "دار رمسيس"، وغالباً كان موقعها قرب "صان الحجر" بالشرقية الآن، وذلك حتى يُتابع الدولة المصرية فى حدودها من مصر حتى بلاد الشام. وعموماً هو أكثر الفراعنة فى بناء وإنشاء المعابد والتماثيل فى أرجاء مصر كلها.

لوحة حائطية من مقبرة الملكة "نفرتارى" بوادى الملكات تُصور الملكة وهى تلعب لعبة شبيهة بالشطرنج (لعبة "سينموت" Senmut).

ويمكن النزول إلى مقبرة الملكة "نفرتارى" بسلم يؤدى إلى باب المقبرة الذى يليه سلم آخر يصل إلى قاعة متوسطة الحجم. فإذا ما وقف الزائر فى وسطها، سيجد يساراً إفريزاً يرتفع نحو طول قامة الرجال تقريباً وفوق هذا الإفريز حُليت الجدران بنقوش جميلة تُمثل هذه الملكة وهى تلعب لعبة شبيهة بالشطرنج، وفى مناظر أخرى وهى تتعبد لمختلف الآلهة. أما فى الجدار الذى عن اليمين فيوجد باب يوصل إلى حجرة جانبية، زُينت جدرانها بالنقوش الجميلة الملونة، والمناظر الرمزية الجذابة التى تمثل الملكة وهى تتعبد لبعض الآلهة، ومن بينها سبع بقرات سُمان وثور وهن رمز أمهات الآلهة، وباقى أجزاء هذه المقبرة مرمم.

مقبرة الأمير آمون حبشف أو آمون حرخبشب

خريطة لمقبرة الأمير "آمون حرخبشب" رقم 55 بوادى الملكات.

هو الأمير الصغير "آمون حبشف" أو "آمون حرخبشب" Amunherkhepshep، أحد أبناء "رمسيس الثالث" من الأسرة العشرين، وقد مات هذا الأمير وهو فى الثالثة عشرة من عمره. ومقبرته (رقم 55 بوادى الملكات) فيها نقوش جميلة مازالت محتفظة بألوانها الزاهية، ويتمثل فيها العطف الأبوى فى اللحظات المؤثرة. فيُشاهد الملك "رمسيس الثالث" وهو يقدم بنفسه ولده المتوفى إلى الآلهة، ويوصى به خيراً. وتحتوى هذه المقبرة على حُجرة متوسطة الاتساع ثم باب يوصل إلى سرداب مستطيل يوصل بدوره إلى حجرة الدفن الصغيرة وبها التابوت الذى كان به رفات الأمير الصغير.

وكانت والدة الأمير "آمون" حبلى وقت وفاته، وفى حزنها أجهضت جنينها ودفنته مع "آمون"، حيث عُثر على مومياء لجنين عمره 5 شهور بمقبرة الأمير "آمون".

مقبرة الأمير "آمون حرخبشب" - لوحة تُصور الأمير وهو يتعبد للإله "خنوم" (له رأس كبش).

مقابر الأشراف (النبلاء)


وهى أكثر من 411 مقبرة محفورة فى الصخر. ويتكون معظمها فى العادة من رحبة كبيرة، بها باب المدخل. وسقفها محمول على أعمدة فى الغالب. ويليها دهليز يواجه المدخل وينتهى بمقصورة يوضع فيها تمثال الميت وأقاربه. ويوجد فى بعض الأحيان غرفتان على جانبى الدهليز المذكور، كما كان يوجد فناء صغير أمام مدخل المقبرة أُعد لتقديم الضحايا والقرابين. أما النقوش التى كانت تتعاقب على جدار الرحبة فتُمثل الميت وهو يقوم بأعماله المختلفة فى حياته الأرضية، ولذا فإنها تلقى ضوءا على طريقة الحياة المصرية القديمة أيام الدولة الحديثة. أما النقوش التى فى الدهليز، فإنها تمثل فى العادة الطقوس الجنائزية.


أحد مناظر مقابر النبلاء.

ولما كان الحجر الجيرى الذى حُفرت فيه هذه المقابر هشاً ضعيفاً، غطيت الجدران أولاً بطبقة من الغرين تُدهن بالجير ثم تُجلّى بعد ذلك بالنقوش والألوان. وأهم المقابر الموجودة فى هذه المنطقة مقابر "نخْت"، و"مننا"، و"رح مى رع"، و"رع موزا"، و"سينوفر".

مقبرة نخت رقم 52
رسم معمارى لمقبرة "نخت".

كان "نخت" Nakht هذا كاتباً للمخازن فى عهد الملك "تحتمس الرابع" من الأسرة الثامنة عشرة وتتكون مقبرته من مدخل يوصل إلى صالة عرضية، توصل بدورها إلى صالة طولية، تنتهى بنيش niche (حيث يوجد التمثال). والغرفة الأولى فقط هى التى يوجد على جدرانها صور بديعة لا تزال محتفظة بجمالها.ومعظم هذه الصور تُمثل الحياة الزراعية فى مصر القديمة من حرث الأرض وبذر القمح وحصاده، وكذلك مناظر قطف العنب وعصره، وصناعة النبيذ. كما توجد مناظر للصيد فى البر والبحر، ومناظر لمجالس الموسيقى والرقص.
مقبرة مننا رقم 69
هذه المقبرة خاصة بشخص يدعى "مننا" Menna كان كاتباً للحقول الملكية فى عهد "تحتمس الرابع" أيضاً. ويظن الناس العامة أن مقبرته هى مقبرة وزير الزراعة لأن معظم مناظر هذه المقبرة تدور حول الزراعة من حرث الأرض وبذر الحبوب، وزراعة الكتان وتمشيطه، ومناظر الحصاد، وبعض مناظر البحر والبر، كل هذا بإشراف "مننا".
مقبرة رح مى رع رقم 100
إنها مقبرة الوزير "رَح مى رع" الذى عاش فى عهد "تحتمس الثالث"، و"أمنحوتب الثانى" من ملوك الأسرة الثامنة عشرة. وترجع أهمية هذه المقبرة لما على حوائطها من نقوش تشرح بالتفصيل مهام وزراء ذلك العهد، فنرى الوزير تارة وهو يتسلم ضريبة الأقاليم المختلفة، وتارة أخرى نراه وهو يرأس محكمة العدل ويفصل بين الناس بالعدل والقسطاس. وفى بعض المناظر الأخرى نراه وهو يشرف بنفسه على مُختلف الصناعات من نجارة، وحدادة، وصباغة الجلود ودبغها. كما نراه يُشرف على أعمال المعابد وتشييدها، وإعداد الطوب الخاص بمبانيها.
وهذه المقبرة تتكون من فناء يتوسطه مدخل يوصل إلى صالة عريضة بها مدخل فى الجدار المواجه للداخل يوصل إلى دهليز طويل يمتد فى قلب الصخر لمسافة تزيد عن 30 متر. والرسوم الموجودة على الجدران على جانب عظيم من الأهمية.

مقبرة رع موزا رقم 55
لوحتان من مقبرة "رع موزا" رقم 55.

كان "رع موزا" Ramose يشغل منصب حاكم "طيبة" ووزير فى عهد كل من "أمنحوتب الثالث" وبداية عهد "أخناتون". وكانت هذه المقبرة غاية فى الأهمية وذلك لأن مقبرة هذا الشخص "رع موزا" يعود تاريخها إلى عصر "إخناتون"، وهى من أكبر وأهم مقابر الجبانة.
ونقوش هذه المقبرة جمعت بين نوعين مختلفين: الأول يشمل المناظر الدقيقة المفصلة والمرسومة بالنقش البارز على الحجرة من غير ألوان، وتُمثل فن الأسرة الثامنة عشرة. والقسم الثانى يشمل المناظر التى ترجع إلى "إخناتون" ومعظمها مصورة بالألوان فوق طبقة الجص.
مقبرة سينوفر رقم 96
 

عمل الأمير "سينوفر" Sennofer (وهو من "طيبة") مشرفاً على حدائق معبد "آمون" فى عهد الملك "أمنحتب (أمنوفيس) الثانى". وتُزين سقف الحجرة الرئيسية لمقبرته تشكيلات من عناقيد العنب المتداخلة وهى فى غاية الوضوح، أما الحوائط والأعمدة المحيطة فمعظم المشاهد المرسومة عليها تُصور الأمير "سينوفر" مع أخته.
دير المدينة

منظر عام لمنطقة "دير المدينة" حيث كانت توجد قرية للعمال والفنانين ترجع أساساً للأسرتين 19 و20 من الدولة الحديثة. وقد سكن هذه المنطقة أيضاً رهبان من العصور الأولى للمسيحية ولذلك سُمى المكان بـ"دير المدينة". وتوجد بالمنطقة بقايا معبد من عصر البطالمة كان مكرساً للإلهة "حتحور" والإلهة "معات" (على اليسار وفى وسط الصورة). وقد أنشأ العمال مقابر صخرية لأسرهم فى جانب الجبل الغربى الذى يشرف على قريتهم والذى التقطت من فوقه هذه الصورة. كما اُكتشفت الأساسات الحجرية للبيوت التى كان يسكنها هؤلاء العمال (فى منتصف الصورة إلى اليمين). ومن هذه البيوت كان العمال يتجهون شمالاً إلى قمة الجبل الغربى، ثم إلى أسفل ليصلوا إلى وادى الملوك حيث كانوا يبنون ويزينون مقبرة الفرعون الحاكم.

مقبرة الخادم سينيدجيم رقم 1 بدير المدينة
كرسى يرجع إلى الأسرة 19 (حوالى سنة 1250 ق.م) عُثر عليه فى مقبرة "سينيدجيم" بـ"دير المدينة" غربى "طيبة"، وهو مغطى بالكامل بالطلاء وغير متقن الصنع.


كان "سينيدجيم" Sennedjem خادماً فى عهد الأسرة 19، وتتكون مقبرته بـ"دير المدينة" من حجرة واحدة فقط، لكن الرسومات الحائطية بها تُعد آية فى الروعة والجمال. ومن أجمل هذه الرسومات مشهد لقط يقتل ثعباناً، ويمكن رؤية هذا المنظر أعلى مدخل حجرة الدفن.

لمحة عن الفكرة الدينية التى كانت سائدة فى عصر الدولة الحديثة


كانت الفكرة الدينية السائدة فى عصر الدولة الحديثة تقول أن الملك حين يموت يسير مع الإله "رع" أى الشمس فى سفينته المقدسة طوال الليل، حيث تجتاز معه العقبات إلى المقبرة، التى ما هى إلا صورة مصغرة للعالم السفلى بجميع أجزائه وسكانه. لذلك حفروا مقابر ملوكهم على شكل أنابيب مستطيلة ضيقة، على مثال ما تصوروه عن الطريق المظلم الذى يسير فيه موكب الشمس فى رحلته الليلية التى توصل للعالم السفلى، ثم نقشوا على حوائط المقبرة صوراً فريدة لموكب الشمس فى رحلته النهارية حول سماء الدنيا، ثم رحلته الليلية عبر العالم السفلى. وفى تلك الرحلة يجتاز إله الشمس "رع" اثنتى عشرة منطقة فى هذا العالم، لكل منها باب تحرسه أفاع وآلهة وأرواح طيبة، وكانوا يُمثلون على الحائط كيف يجتاز الإله العظيم تلك المناطق واحدة بعد الأخرى متخطياً عدة أخطار.
وكان الملوك يعتقدون أنه إذا مات أحدهم اتحدت روحه مع الإله "رع" ولازمته فى رحلتيه النهارية والليلية. وبذلك تتجدد حياتهم كلما أشرقت الشمس. ولكى تمر روح الميت بسلام فى صحبة مركب الشمس، كان الواجب أن تُتلى تعاويذ طويلة وصيغ خاصة أمام كل باب من أبواب تلك المناطق كى يفتح لها الطريق. وقد جمعت تلك التعاويذ فى عدة كتب منها كتاب "ما فى العالم السفلى" ثم كتاب "البوابات".. وتوجد كثير من نصوص هذين الكتابين على جدران المقابر بوادى الملوك.
بعد الموت كانت الأرواح - رجالاً ونساء - تتجه إلى الوادى الرهيب، وهو على شكل نصف دائرة، رسبت على جوانبه صخور وجبال شامخة. وفى بطنه جرى نهر الدينونة (الحساب) المخيف. تلك كانت مملكة الظلام، فمياه النهر عكرة داكنة تنبعث منها أبخرة خانقة لا يستنشقها إنسان ويعيش، وعلى طول مجراه مناظر مروعة يرتعش أمامها أشجع الشجعان. ولم يكن بدُّ من أن تقطع الأرواح هذا الطريق قبل ولوجها فردوس النعيم.
كان الوادى مقسماً إلى اثنتى عشرة منطقة، يشير كل منه إلى ساعة من ساعات الليل البهيم، ومدخله محصَّن بأسوار مرتفعة وبوابات ضخمة يقوم على حراستها وحش دميم. وعلى شاطئ النهر وفى ثنايا الصخور كمنت الأفاعى ذوات الأعين النارية والفحيح الذى يخلع القلوب، وأطلت الثعابين القاتلة من جحورها متربصة كلها بالحجاج، الذين لم تتهيأ لهم أسلحة النصر فى هذه الرحلة المريرة.
ولم يكن فى استطاعة الروح أن تجتاز الوادى المظلم بمفردها، لهذا كانت تتجمع الأرواح حول المدخل الرئيسى، حتى إذا اقترب "رع" عند مغيب الشمس ازدحم الأموات الأرواح محاولين التسلق والدخول فى الزورق الإلهى، وينجح عدد منهم فى الحصول على أمكنة فى القارب، أما الذين تنقصهم أسلحة البر ودرع الفضيلة، فتجرفهم الزحافات أو تبتلعهم المياه الحالكة، أو تلتهمهم أفواه التماسيح.

ثم يدخل الزورق، ويبدأ الأموات رحلتهم فى ظل روح الإله "رع". على أن ذلك لم يعفهم من مواجهة الأعداء المنبثين على جانبى النهر، والأرواح الخبيثة التى تحاول أن تقلب الزورق وتحطمه بمن فيه. لكنهم استناداً على ذراع "رع" يتمكنون من صدِّ الوحوش الهائمة فى المناطق الخمس الأولى. أما عند المنطقة السادسة حينما ينتصف الليل فلا حول ولا حيلة للإله. بل أن "رع" يتخلَّى عنهم متنحياً مكاناً قصِّياً، ويقفل وراءه الباب كى تواجه الروح مصيرها وحدها ... إنها محكمة "أوزيريس" العظيم رئيس القضاة وديان الموتى ...
ردهة كبرى ينتظم على جانبيها اثنان وأربعون إلهاً ممثلين عدد الإمارات فى المملكة المصرية، يجلس كل منهم على عرش عاجى مذهب، يتوسطهم "أوزيريس" المهيب فوق منصة تعلو تسع درجات، متربعاً على عرش من ذهب خالص، فى يده الصولجان وعلى رأسه تاج مصر المزدوج. وأمامه يأتى الإله "أنوبيس" وازن القلوب بميزان الحق الدقيق (وأحد آلهة الموتى وحارس المقابر وكانوا يصورونه برأس ابن آوى)، ويضع فى إحدى كفتيه ريشة العدل الإلهى، وبجانبه ينحنى "تحوت" حارس القانون ومسجل الأحكام، ومن ورائه هوة سحيقة احتفرها زبانية الجحيم، ومنها يبرز تنين لعين، وقد كشف عن أنيابه منتظراً فرائسه بابتسامة ساخرة.
إنه لمشهد ترتعد له فرائص الروح حينما تدخل بهو المحكمة، فتغيم أمامها الصور، وتتراقص أشباح الآلهة، لكن القاضى الأعظم يعطى فرصة، فيصبر حتى يستفيق الميت من الذهول. ثم تبدأ المحاكمة على الفور فتنهال الأسئلة على النحو التالى:
- هل ارتكبت جريمة أو نطق لسانك بالكذب؟
- هل غدرت بجارك شاهداً بالزور، أو قتلت أخاك عن عمد وإصرار؟
- هل أعطيت مجداً للآلهة، وهل أحببت قريبك كنفسك؟
وينتظر الرئيس قليلاً حتى يستعيد الميت هدوءه من هول الموقف، ويبدأ أعضاء المحكمة استجوابه فيما يكون قد ارتكبه من ذنوب وآثام، فيسألونه عن جرائم الكذب والسرقة والقتل والخيانة وشهادة الزور وإيذاء القريب وعصيان الآلهة. ويجيب الميت "الروح" على هذه كلها إجابات مرضية مستعيناً فى صياغتها بما تعلمه من كتبه المقدسة، وما تلقاه فى حياته من أفواه الكهان.
ثم تحين اللحظة الأخيرة الحاسمة فور انتهاء الاستجواب، لحظة قاسية لا يستخفى أثناءها سر، بل كل شئ مكشوف وعريان. فيتقدم "حورس" "قومندان" الحرس قابضاً على الميت، ويخطو به نحو منصة الرئيس الذى يصدر الأمر بخلع قلبه الروحانى، فيتسلمه "أنوبيس"، ويضعه فى إحدى الكفتين مقابل ريشة الحق فى الكفة الأخرى، ويراقب "تحوت" حركة الميزان بدقته المعهودة، كما يراقبها صاحب القلب الموزون فى رهبة وفزع، وهو يرى بعينه شراهة الوحش النهم الرابض فى الحفرة من وراء. فإذا رجحت كفة القلب أو تساوت فى الثقل مع ريشة الحق فى الكفة الثانية، رضى عنه "أوزوريس" وسجله "تحوت" فى قائمة الفائزين.
ويا ويل من حذف اسمه من كشف المقبولين!
ويا ويل من غشَّ الآلهة فيفضح غشه الميزان!
ويا عذاب من يوجد قلبه فى الكفة إلى فوق!
فلا الدموع ولا النحيب ولا التوسل ولا التوبة تشفع فيه الآن، وسرعان ما يتقدم الحراس الأشداء فيقودونه ويسوقونه إلى حيث يتلقفه الوحش الخبيث بين فكيه، ويمرق به داخل الهوة التى لا قرار لها، هائماً بالروح أعواماً وأدهاراً فى بحيرة من نار.
أما المكتوبون فى سفر الحياة فيخرجون من بهو المحكمة إلى الباب الخلفى، حيث ينتظرهم "رع"، ويحملهم معه فى قاربه إلى المنطقة السابعة فى وادى ظل الموت. ومن هنا تبدو أمامهم الرحلة أكثر سهولة وأخف عبئاً، لأنهم نالوا قوة بعد اجتيازهم أقسى امتحان. فيعبرون منطقة بعد أخرى ساحقين أعداءهم دون كبير عناء، حتى يقتربوا من آخر الأقسام.
لكن أظلم ساعة فى الليل تسبق الفجر، وكان على الأرواح أن تجتاز الخطر الأخير الجاثم أمام زورق الزمان. فقد ربضت فى مصب نهر الدينونة أفعى هائلة الضخامة، بحيث لم تترك كتلتها مكاناً للزورق ينفذ منه، ولا من حولها ولا من فوقها، ولم يكن بدُّ من أن يشق الزورق طريقه فى جوفها.
وعلى شدة ما انتاب المناطق السابقة من سواد حالك وعتمة عتماء، فإنها لا تُقاس بهذه الظلمة الكثيفة فى بطن الحية الرقطاء - هذه الكثافة المظلمة يُحتمل أن تتيه فيها الروح وهى على عتبة عالم النور، لو لم تكن قوة "رع" حارسة ومسيِّجة من حولها.
وفى نهاية المطاف يظهر قبس من النور ضئيل، وبسرعة تزداد الخيوط توهجاً وإشراقاً. ثم تنفتح البوابة الأخيرة على مصراعيها ويبرز منها الزورق الذى يطوى ملايين السنين سابحاً فى نور الشمس الوضاء، فتستقبله الآلهة بأناشيد النصر وأغاريد الفرح.
وعندما ينشر "الإله" أشعته الذهبية حول الأرض يشترك الأضياف الذين حملتهم سفينة الزمان مع أجواق الأرواح الأبرار السابقين فى أغنية حلوة شجية، ترحيباً بدخول الفوج الجديد إلى حقل السلام فى فردوس النعيم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علاقة علم الآثار بالتاريخ

علم آثار ما قبل التاريخ

معبد حتحور دندرة Temple of Hathor, Dendera